من مهرجان إلى مؤسسة إنتاجية: مهرجان البحر الأحمر الدولي يعيد تعريف دور المهرجانات السينمائية
05 مارس, 2024
مع تزايد عدد مهرجانات الأفلام حول العالم، لم تعد هذه الفعاليات تقتصر على عرض الأعمال السينمائية فحسب، بل أصبحت تلعب دورًا حيويًا في بناء منظومة صناعة سينمائية متكاملة، تؤثر في الثقافة، وتعيد تشكيل الحياة الإبداعية في المدن المضيفة. هنا تبرز أهمية التساؤل: كيف تساهم المهرجانات في تحفيز الإنتاج السينمائي المحلي والعالمي، وتوسيع دائرة المشاركة والتمويل والتوزيع؟
المهرجانات السينمائية... منصات تتجاوز العرض
لقد بات من المعتاد أن تشمل المهرجانات السينمائية برامج تتعدى العروض، لتشمل ورش العمل، صناديق الدعم، منتديات الإنتاج المشترك، وجلسات ترويج المشاريع. هذا التوجه يُسهم في خلق بيئة تحتضن صُنّاع الأفلام والموزعين والمنتجين في مكان واحد، ويعزز التعاون والإنتاج عبر الحدود.
على سبيل المثال، يمثل "أكاديمية الفيلم الآسيوي" (AFA) التي يقيمها مهرجان بوسان نموذجًا بارزًا لهذا التوجه، حيث يجمع البرنامج مواهب آسيوية شابة لتطوير مهاراتهم وبناء شبكات تواصل داخل صناعة السينما الإقليمية.
دور عالمي في بناء الصناعة
أثبتت المهرجانات الكبرى مثل كان، برلين، البندقية، تورنتو، وصاندانس، أن بإمكان المهرجان أن يكون مركز ثقل إعلامي واقتصادي، يدفع عجلة الإنتاج الوطني ويجذب أنظار العالم إلى المواهب المحلية. تلعب صناديق الدعم التابعة لهذه المهرجانات دورًا رئيسيًا، مثل:
صندوق السينما العالمية (World Cinema Fund – مهرجان برلين)
صندوق Jan Vrijman (IDFA – مهرجان أمستردام للأفلام الوثائقية)
هذه الصناديق لا تكتفي بتقديم التمويل، بل تدعم أيضًا الورش والبرامج التعليمية والمبادرات التي تعزز من استدامة الإنتاج المحلي وتوسيع توزيعه عالميًا.
مهرجان البحر الأحمر السينمائي... أمواج التغيير
في هذا السياق العالمي، يبرز مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي تحتضنه مدينة جدة، بوصفه مبادرة سعودية طموحة تضع السينما في قلب التحول الثقافي. يحمل المهرجان شعار "أمواج التغيير"، ويتبنى دورًا استراتيجيًا في تطوير المشهد السينمائي المحلي والعربي.
لا يقتصر المهرجان على العروض السينمائية، بل يمتد إلى مبادرات إنتاجية وتعليمية مؤثرة. من أبرز برامجه:
أيام المواهب: منصة تدريبية تجمع المواهب الصاعدة مع خبراء عالميين.
صندوق البحر الأحمر: الذي موّل أكثر من 100 مشروع هذا العام، بمبلغ تجاوز 14 مليون دولار أمريكي، في مراحل التطوير وما بعد الإنتاج.
هذه الجهود تضع المهرجان على خارطة المهرجانات العالمية المؤثرة، وتجعل من جدة مركزًا إقليميًا للإنتاج السينمائي والابتكار.
بناء الجسور والتأثير الثقافي
يُعد مهرجان البحر الأحمر مثالًا على كيف يمكن للمهرجانات أن تتحول إلى جسور إنتاجية وثقافية بين الشرق والغرب. من خلال دعمه للمواهب، وتوفيره لفرص الإنتاج، وربطه بين صُنّاع الأفلام المحليين والدوليين، يعزز المهرجان مكانة السعودية كمحور فاعل في صناعة السينما العالمية.